الثلاثاء، 5 يوليو 2011

صوتك ليس امانة

صوتك بطيخة حمراء مثلجة أو «مانجة عويسى» من مزارع الإسماعيلية، أو فرخة فيومى مشوية، أو «أكلة» بحرية على شاطئ الإسكندرية، أو أى شىء آخر تفضله إلا «الأمانة»، التى جربناها كثيراً ولم تجلب لنا إلا نُوَّاباً أغلبهم من أعضاء المنتخب الوطنى للتصفيق.
صوتك ليس أمانة.. حتى نصحح مفهومنا للأمانة، فلا أظن أن أى مرشح ممن رسبوا أو نجحوا فى عصور الديكتاتوريات المتعاقبة التى شهدتها بلادنا، إلا وكتب على مطبوعاته الدعائية ولافتاته الانتخابية: «صوتك أمانة».
أيام عبدالناصر كنت تلميذاً صغيراً، ولكنى كنت مدركاً أن حكمه لم يعرف الديمقراطية، على الرغم من إصراره على ذكر الديمقراطية مقترنة بكلمة السليمة، كتبت وقتها فى موضوع تعبير حر: إن اللغويين نَسُوا أن يضموا «السليمة» إلى أدوات النفى.
اليوم أحذر من «الأمانة» كحافز لاختيار المرشح الأفضل لتولى مسؤولية تمثيلنا جميعاً فى مرحلة التحول من الديكتاتورية التى عانينا منها إلى عالم البشر.
حوالى خمسمائة فقط من أبناء هذه الأمة سيجلسون عاجلاً أم آجلاً تحت القبة ليقرروا مصيرنا جميعاً. لم أعد أخشى مساساً بنزاهة الانتخابات ورصد النتائج، فالملايين التى خرجت فى الثورة قادرة على مراقبة اللجان والصناديق، وافتراس من تساوره نفسه للعبث بها، ولكنى مذعور من إساءة الاختيار.
لقد انطلقَ بالفعل بعض الترشيحات النيابية: المرشحون المنتسبون لأحزاب قديمة أو جديدة أو المستقلون أو المتحولون - بدأوا فى عقد بعض اللقاءات التجريبية فى دوائرهم. الكل فى حالة ترقب، وهى - فى كثير من الأحيان - مليئة بالتحفز والتشكك، يتواصى الناس بالتأنى فى الاختيار، وعدم الوقوع فى فخ الوعود البراقة، بعضهم مازال فى عصر الكهف، يبحث عمن يحل مشكلاته الشخصية، ويحقق مصالحه ومصالح أهله. معذرةً، فأنا لم أقصد استخدام «أهله» التى أصبحت لغة شتيمة فى قاموسنا المعاصر الذى أصابه الكثير من التشوهات والانفلات.
أتمنى أن يشمل قانون الانتخابات النيابية الجديد ما يقطع الصلة بين النائب ودائرته، وهو ما يرتقى بالنائب من «مشهلاتى» إلى نائب حقيقى للشعب كله، فالنائب المحترم يجب ألا يقتصر تمثيله على دائرته، وإنما يجب أن يمتد إلى المواطنين كافة.
لقد سبق أن طالبت فى مقال سابق بأن يحظر على النائب نهائياً أن يفتح مكتباً لرشوة المواطنين، أقصد ما يطلق عليه «مكتب خدمة المواطنين»، ربما كانت تلك المكاتب مقبولة فى عصور الديكتاتورية الماضية، أما الديمقراطية التى نحلم بها فإنها ترفضها شكلاً وموضوعاً.
حل المشكلات وتلبية الطلبات المشروعة مسؤولية الأجهزة التنفيذية للدولة، ويكون عضو مجلس النواب أو مجلس الشعب مسؤولاً عن مراقبة أداء هذه الأجهزة ومحاسبتها. عضو البرلمان شريك فى اقتراح وصياغة القوانين، وهو معنىٌّ كذلك بمناقشة ميزانيات وخطط الدولة، يناقش من موقع قوة عظمى يستمدها من الشعب الذى اختاره، فلا يجوز له أن يعمل إلا لصالح الشعب وحده.
اختاروا من لا يقبل بأنصاف الحلول، اختاروا من ينتصر للحق والعدل والخير والجمال والفضيلة، اختاروا الأقل أخطاءً، وتذكروا قول سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خَطَّاء، وخير الخطائين التوابون». لا أقصد طبعاً من قتلوا المتظاهرين، أو باعوا مصر وقبضوا الثمن، أقصد من قدم يوماً رشوة كى لا يدفع مخالفة مرورية، أو أخفى جزءاً من موارده تقليلاً للضرائب التعسفية، ألم يكن هذا هو العرف السائد؟
ولكن لا تختاروا من يجاهر بانحرافاته ومغامراته، أو حتى تدخينه للشيشة، كما فعل الوزير الهارب يوسف بطرس غالى متفاخراً بشعبيته الكاذبة.
لا تختاروا الشتام وصاحب الصوت العالى، فهو وسيلة فاقدى المنطق فى إخفاء خوائهم الفكرى. كيف تأمنون على مصالح البلاد مَن لا يؤتمن على نفسه؟ انتخبوا صاحب التوجه العلمى، انتخبوا من يتحمس للحلول الثورية، اختاروا من ينحاز للحريات، وينحاز للتغيير والإصلاح بالإقناع وليس بالقهر والفرض، عملاً بقول الله تعالى: «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، وقوله: «ولو كنت فظاًّ غليظ القلب لانفضوا من حولك».
قاطعوا من يسرف فى استهلاك الكهرباء والمياه، ولا تنتخبوا من يُلقى الزبالة فى الشارع أو يبصق على الأرض!! ليكن صوتك مسؤولية للحفاظ على الثورة، أما موضوع الأمانة فلنتركه مؤقتاً.
من مقالات محمد الصاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق